فن الزخرفة في الحضارة الإسلامية

تعتبر الزخارف والنقوش التي استخدمها الإنسان إحدى وسائل المعرفة التي تناقلتها الأجيال المختلفة عبر العصور، حيث تمثل هذه الزخارف مرآة الحضارات الإنسانية التي تعكس ثقافتها التاريخية، رافقت الإنسان منذ القدم وعكست من خلالها أشكال الحياة والمعيشة والتقاليد ومن خلالها أيضا عبَر عن أفكاره وأحاسيسه وما يدور في خلجات نفسه، حيث اهتم بزخرفة سطوح المباني والأواني والتماثيل والنقش على الملابس قاصداً بها التزين والتجمل وهو ما أعطاها سحراً وجمالاً ورشاقة لا نظير لها.
وتعددت الزخارف والنقوش عند تلك الحضارات فمنها الزخارف التي اتخذت العناصر الخطية والنباتية والهندسية والأشكال الآدمية والحيوانية، وازدهرت في المجتمعات الشرقية بشكل ملفت، وإذا ما تعمقنا في الشرق من حيث عاداته وتقاليده وأعرافه المتبعة واعتقاداته الدينية نجد أن له فلسفته الخاصة التي تنظر إلى الإنسان على أنه جزء من هذا الكون الفسيح.

الزخرفة الإسلامية

كان للحضارة الفارسية والبيزنطية والهندية الأثر الكبير في تطور الزخرفة ونشأ الفن الإسلامي حيث اختارتها من تراث الأمم القديمة بما يتوافق مع المعتقدات الإسلامية التي تحرَم تصوير ذوات الأرواح مثل الإنسان والحيوان وأبدعوا فيها أيما إبداع في النقوش والزخارف النباتية والهندسية والخطية، ولذلك ظهر لون خاص واتجاه خاص يبرز الهوية الإسلامية فيها وظهر الطابع التركي والطابع العربي والطابع الأندلسي وغيره وبدت جليه في البناء كالمساجد والبيوت وكذلك في صناعة السجاد والأقمشة والأدوات والأواني.

يعتبر الخط العربي وجهاً من أوجه الفن الإسلامي، حيث كان للخط ثقافته ولونه ورونقه وأثره في النفس، حيث وجد طريقه في الإبداع ليكون عنصراً مهماً في جمالية النقوش والزخارف حيث استُعْمِل في تزيين المساجد والمحاريب والقباب ونُسخ المصاحف وكتب السنن واستعمله العلماء والأُدباء في خط عناوين كتبهم، ليس هذا فحسب بل امتدَ ليصبح الشكل الزخرفي الذي أخذ مكان الرسوم والصور على الملابس والسجَاد والمخطوطات الأدبية، وفي عصرنا هذا تستعمله السلطات في النقود والعملات الورقية، وتستعمله المطابع ودور النشر في طباعة المجلات وأسماء الصحف وبطاقات الأفراح والتعزية وغيرها.
واستعاض فنانو الزخارف الإسلامية عن التشخيص بتطويرهم لأنماط الزخارف الهندسية الإسلامية متعددة الأشكال عبر القرون. غلب على التصاميم الهندسة في الفن الأسلامي تكرار استخدام مجموعات المربعات والدوائر، التي يمكن أن تتداخل وتتشابك كفن الأرابيسك ، كما اشتملت على أشكال متنوعة من الفسيفساء . تدرج تعقيد وتنوع الأنماط المستخدمة بدءًا من النجوم والمعينات البسيطة في القرن الثالث الهجري إلى مجموعة متنوعة من الأشكال ذات الست إلى الثلاث عشرة جانب في القرن السابع الهجري، ثم النجوم ذات الأربع عشرة والست عشرة جانب
في القرن العاشر الهجري. استخدمت الزخارف الهندسية في أشكال متعددة في الفن والعمارة الإسلامية شملت الكليم والجيرة الفارسية، وقرميد الزليج المغربي، والعقود المقرنصة، ونوافذ الجالي المثقبة، والفخار والجلود والزجاج الملون، والمشغولات الخشبية والمعدنية.
انتقلت الزخارف الهندسية الإسلامية إلى الغرب، وانتشرت بين الحرفيين والفنانين بما في ذلك إيشر في القرن العشرين، كما انتشرت بين علماء الرياضيات والفيزياء بما في ذلك بيتر لو وبول ستنهاردت الذي أثار جدلاً بزعمه في سنة 2007 م أن بلاط ضريح إمام الدرب في أصفهان يمثّل تكرار شبه دوري مثل تبليط بنروز.
تعد أقدم الأشكال الهندسية في الفن الإسلامي تلك الأشكال الثمانية والمعينات التي بداخلها مربعات في جامع عقبة بن نافع في تونس، التي ترجع إلى سنة 221 هـ/836 م، ومنذ ذلك الحين انتشرت في جميع أنحاء العالم الإسلامي. بدأت المرحلة التالية من تطوير الزخارف الهندسية الإسلامية بانتشار النجوم السداسية والثمانية بعد ظهورها في سنة 265 هـ/879 م في جامع أحمد بن طولون في القاهرة، فاستخدمت على نطاق واسع في العالم الإسلامي، وظهرت في أبراج خراقان في بلاد فارس 459 هـ/1067 م، وفي مسجد الجيوشي في مصر سنة 477 هـ/1085 م. وفي سنة 478 هـ/1086 م، ظهرت زخارف الجيرة السباعية والعشارية في المسجد الجامع في أصفهان، وانتشرت بعد ذلك الجيرة العشارية في العالم الإسلامي ما عدا الأندلس. ثم ظهرت الجيرة ذات التسع والأحد عشر والثلاث عشر ضلع في أصفهان أيضًا سنة 490 هـ/1098 م؛ ولكنها لم تستخدم خارج بلاد فارس وآسيا الوسطى إلا نادرًا. وفي سنة 617 هـ/1220 م، ظهرت الزخارف ذات الثمان والإثنا عشر ضلع في مسجد علاء الدين في قونية، كما استخدمت في القصور العباسية في بغداد بعد ذلك بعشر سنوات، وانتشرت بعد ذلك. ثم ظهرت الزخارف ذات الست عشرة ضلع في مسجد حسن صدقة بالقاهرة في سنة 715 هـ/1321 م، وفي مسجد السلطان حسن سنة 764 هـ/1363 م، وفي قصر الحمراء في الأندلس في القرن الثامن الهجري. وأخيرًا، ظهرت الزخارف ذات الأربعة عشر ضلع في المسجد الجامع في فاتحبور سيكري في الهند في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.

 1,843 total views,  1 views today